سبعةُ أسبابٍ تدعو للأمل بمستقبلٍ أفضل لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

Publication date
بقلم ريم مارتو، رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منظمة علِّم لأجل الجميع
Image

اقرأ هذا المقال باللغة الإنجليزية 

من الصعب أن تتصفح القسم الدولي من أي صحيفةٍ كانت وفي أي يوم، دون أن يعتريك الهم والغم، وخاصةً عندما تقرأ عن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبينما لا يمكننا تجاهل التحديات التي تعتري المنطقة، إلا أنه يتوجب علينا أيضاً الاعتراف بالجهود التي يبذلها القادة المحليون من أصحاب الإرادة القوية لتذليل تلك العقبات التي نقرأ عنها. وبدلاً من الاكتفاء بالتشهير بالمشاكل التي تواجهنا، يتوجب علينا تسليط الضوء على أولئك الذين يحدثون التغييرات الإيجابية، ويضعوننا على المسار الصحيح.

وفي حين يشعر العديد من الشباب من أصحاب المواهب بضرورة الهجرة والبحث عن الفرص في مكان آخر، تختار نسبة معينة من الشباب البقاءَ ومواجهة المشكلات التي يعرفونها من خبرتهم الشخصية. وفي إطار عملي بوصفي الرئيس الإقليمي لمنظمة "علِّم لأجل الجميع" في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، تعرفت على العديد من رواد الأعمال الاجتماعيين المحليين الذين يطرحون أفكاراً ومبادرات جديدة في هذه المنطقة التي تتصف بالتنوع والتعقيد. وعلى الرغم من كثرة التحديات التي تواجههم، إلا أن عددها لا يجاوز عدد بذور التغيير الإيجابي التي يغرسونها. وأرى أسباباً تبعث على التفاؤل بما يحدث من تغييرات نوعية عديدة. لقد انضممت إلى منظمة "علِّم لأجل الجميع" في عام 2010، وهي شبكة عالمية من المنظمات المستقلة المنتشرة في 59 دولة، تعمل على تطوير القيادة الجماعية لضمان مساعدة جميع الأطفال على تحقيق إمكانياتهم. وها أنا الآن أتقلد دوراً في قيادة الجهود الرامية لإنماء شبكتها وانخراط المنظمات الشريكة لها عبر رقعة جغرافية تمتد من المملكة المغربية إلى جمهورية باكستان. حيث تقوم كل منظمةٍ شريكةٍ في الشبكة بتوظيف وتطوير أداء أصحاب المواهب الواعدين من خريجين شباب ذوي خلفيات متنوعة ومحترفين يلتزمون بالتدريس لسنتين على الأقل في الصفوف الدراسية التي تعاني من نقصٍ في الموارد، وعلى هذا الأساس، يعملون طوال حياتهم من داخل وخارج مجال التعليم لمعالجة القضايا المنهجية التي تواجه الأطفال.

وبمناسبة اليوم الدولي للتعليم، ومع دخولنا عاماً آخر تتخلله الحيرة بسبب وباء كورونا وما يتعلق به من قضايا، أود الاحتفال ببعض الجهود غير المعلنة غالباً والتي تسيّر إمكانيات التنمية والتحول في هذه المنطقة.

جيلٌ صاعدٌ من صنّاع التغيير

يختار جيلٌ جديدٌ من القادة الشباب البقاء في المنطقة، وإيجاد حلولٍ محليّة، وتسليح الناس بمهاراتٍ تساعدهم على تلبية الاحتياجات العاجلة والمتنوعة. وقد رأينا مراراً وتكراراً أن التنمية المستدامة تتحقق بفضل الجهود الثابتة على المستوى المحلي - لا سيما الجهود التي يبذلها أولئك الذين عانوا هم أنفسهم من المشاكل التي يسعون إلى حلها. وقد يكون التغيير بطيئاً، إلا أن تحقيقه ليس بمستحيل. إذ تتحلى المنظمات الشريكة لمنظمة "علِّم لأجل الجميع" في لبنان، والمغرب، وباكستان، وقطر، بالصبر في تطبيقها نهجاً يضع الشعب في صدارة الاهتمامات، وتنمي فعالية ومهارات السكان المحليين من خريجي الجامعات الجدد والشباب المحترفين، والطلاب وأسرهم، وغيرهم من المعلمين وأفراد المجتمع. وفي إطار ما تواجههم من مشكلات نظامية، إضافةً إلى المشكلات التي تفاقمت بسبب أزمة فيروس كورونا المستجد، فهم يطورون ابتكارات وينمّون قدرتهم على التحسين المستمر بمرور الوقت بدلاً من الاعتماد على المركزية في اتخاذ القرارات أو الحلول المستوردة.

تنمية المهارات القيادية على المستوى المحلي

نعتقد أيضاً أنه من الممكن تطوير المهارات القيادية، وأن عقلية القيادة تدعم الناس للإيمان بالتغيير الإيجابي وتمكينه، حتى في الظروف المعقدة. وهناك العديد من الطرق التي يمكن من خلالها ممارسة القيادة، وتساعدنا المنظمات الشريكة في الشبكة على تمهيد الطريق أمام ذلك. إذ يتعلق الأمر بالنسبة لهم بالالتزام بالتدريس في المدارس التي تعاني من نقصٍ في الخدمات، ودبّ روح القيادة في الطلاب بينما يطورون هم أنفسهم المهارات اللازمة لممارسة القيادة طوال حياتهم، وغالباً ما يبقون طوال حياتهم المهنية منخرطين في قطاع التعليم للعمل على كل مستوى من أنظمة المدارس وسياساتها وفي القطاعات، وذلك بهدف إحداث تغييرات منهجية.

وهناك مواهب هائلة في المنطقة لم يتم استثمارها بعد. وصقل مهارات القيادة المحلية هو طريق حاسم لتحقيق التغيير والتقدم المستدام. والاستثمار طويل الأجل في هذه القيادة هامٌّ بشكل خاص في هذه المنطقة التي تعدّ معدلات بطالة الشباب فيها الأعلى في العالم، والتي تفشل أنظمة التعليم فيها في تهيئة الشباب للدخول إلى سوق العمل.

ضمان استمرار الأطفال في التعلم

في الوقت الذي تم فيه إغلاق المدارس نتيجة انتشار الوباء، كانت أولى أولويات المنظمات الشريكة لمنظمة "علِّم لأجل الجميع" ضمان استمرار الأطفال في التعلم في المجتمعات التي يقلّ أو ينعدم فيها النطاق الترددي. ففي باكستان، كان المعلمون واثقين من أن البقاء على تواصل مع طلابهم أمر بالغ الأهمية. فاستطاع المعلمون معرفة الطلاب الذين كانت الوسائل الالكترونية متاحةً أمامهم، وكيفية الوصول إلى أولئك الذين كان حالهم عكس ذلك؛ حيث قاموا بإعداد دروس مصممة خصيصاً للقضايا التي يثيرها الوباء؛ وأعدّوا منهجاً متطوراً يستخدم تكنولوجيا النطاق الترددي المنخفض مثل تطبيق الواتساب والرسائل النصية القصيرة - بالإضافة إلى حزم التعلم المطبوعة التي توزعها العائلات المحلية والمساجد وأصحاب المتاجر. وبينما كانوا يعانون من تبعات إغلاق المدارس، جاءت المنظمات الشريكة في الشبكة بحلول إبداعية ومبتكرة لمواصلة الوصول إلى الطلاب وضمان بقائهم آمنين وفي صحةٍ جيدة، وضمان استمرار عملية التعلم.

علوّ شأن المرأة

هناك مجموعة متزايدة باستمرار من رائدات الأعمال الاجتماعيات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتشهد المنطقة ازدياداً في أعداد رواد الأعمال الاجتماعيين الناشئين بما يتجاوز أعداد رواد الأعمال التجاريين، مما يساعد على سد الثغرات في الخدمات العامة، ومعالجة تحديات المجتمع، وترويج السلع والخدمات للسكان قليلي الحظوظ. وفي المنطقة، 70% من المعلمين في شبكة المنظمات الشريكة لمنظمة "علِّم لأجل الجميع" هم من النساء. وبصفتهم خريجين، فقد أصبحوا معلمين مخضرمين ورواد أعمال اجتماعيين وقادة سياسات يدفعون باتجاه تبني طرقٍ جديدة للتصدي لعدد لا يحصى من التحديات التي تواجه الأطفال الأكثر ضعفاً في المنطقة. فالجيل الجديد يريد أن يرى التغيير ويبحثُ عن طرق لتحدي النهج التقليدية والتغلب عليها.

التغلب على العقبات الهيكلية

تُعدُّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بيئةً مليئةً بالتحديات. حيث تتسم الأطر القانونية والحكومية فيها بالتعقيد، ويمكن أن يكون التعليم نفسه في كثير من الأحيان موضوعاً مشحوناً. ومع ذلك، تمكنت شبكتنا من إحداث تأثير في المناطق التي يصعب فيها إنشاء المؤسسات، ناهيك عن ضمان استمراريتها. إذ يتحلى رواد الأعمال الاجتماعيون بالصبر، فهم يتفهمون التعقيدات ولديهم القدرة على التعامل معها لأنهم يعيشون ويعملون هنا - وسيبقون هنا.

وهناك أشخاص مذهلون يريدون تحريك الأحداث بغض النظر عن مدى صعوبة الظروف. فعلى سبيل المثال، تفاقم تأثير فيروس كورونا المستجد على لبنان بسبب أزمات أخرى، منها انهيار العملة، وانفجار الميناء الذي حصل في شهر آب، والاضطرابات السياسية المستمرة. ومع كل ذلك، تمكنت منظمة "علّم لأجل لبنان" من تحويل معظم برامجها إلى مساحات افتراضية. واستطاعت تجديد الشراكات مع أفضل الجامعات لتوفير شبكات دعم للخريجين؛ بالإضافة إلى تشكيل شراكة مع مركز المهن والابتكار وريادة الاعمال في الجامعة اللبنانية. كما أطلقت مبادرة إعادة البناء بشكل أفضل لدعم الطلاب والمجتمعات المدرسية المتضررة من الأزمة الاقتصادية وانفجار بيروت. هذا إضافةً إلى أنها أقامت شراكة مع معهد صحي محلي لتقديم دعمٍ مجانيّ للحالة النفسية للآباء والمعلمين والطلاب المتضررين من الانفجار.

تركيز جديد على توفير التعليم في مراحل الطفولة المبكرة

على مرّ التاريخ، كان هناك نقص في الاستثمار في توفير التعليم في مراحل الطفولة المبكرة، لكننا نرى أن الحال بدأ بالتغير. فالتحول إلى التأكيد على أهمية توفير التعليم في مراحل الطفولة المبكرة بات يشيع أكثر فأكثر في المنطقة - ففي جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نرى منظمات الشبكة ورجال الأعمال يطورون مشاريع في مجال توفير التعليم في مراحل الطفولة المبكرة. وقد أصبح التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة الآن إلزامياً في سن الرابعة في المغرب. وتلقت منظمة "علِّم لأجل المغرب" دعماً حكومياً وطنياً ومحلياً للعمل في الصفوف الدراسية الأولى العامة، إلى جانب رؤية آفاق توسعها في جميع أنحاء البلاد.

لم يكن قد مضى على بدء نشاط منظمة "علّم لأجل المغرب" سوى عام فقط عندما ظهر فيروس كورونا المستجد. وأثناء إغلاق المدارس، أدركت المنظمة أن الوصول إلى المتعلمين الأصغر سنّاً في المنزل يتطلب العمل عن كثب مع أسرهم، وهو ما يعني غالباً التغلب على المشكلات الفنية والثقافية. فقامت بإطلاق مبادرة "Web TV" لتسهيل الوصول إلى محتوى المعلمين وضمان استمتاع الأطفال لدى اشتراكهم فيه. وهنا، بدأ كلٌّ من المعلمين والمدارس والمجتمعات التي لم تكن مرتبطة بمنظمة "علِّم لأجل المغرب"، بالتعلم من خلال مقاطع الفيديو هذه، الأمر الذي يوضح أن لعمل القادة المبتكرين تأثيرٌ مضاعف في المجتمعات.

تعليم مهارات الحياة والتعليم المُلم بتأثير الإصابات والصدمات

تتزايد الجهود الرامية لمدّ الأطفال بالدعم النفسي والاجتماعي والمهارات الحياتية، إلى جانب تدريس المواد الأكاديمية التقليدية. فخلال عمليات الإغلاق التي حصلت نتيجة انتشار فيروس كورونا المستجد، عالج معلمو منظمة "علِّم لأجل باكستان" الضغوط العاطفية التي تعرض لها طلابهم - وخاصة الفتيات - من خلال وضع إجراءات تعليمية وتمارين وألعاب تساعدهم على توثيق علاقتهم بأصدقائهم ومساعدتهم على التغلب على القلق وإبقائهم ملتزمين بأهداف التعلم والحياة الخاصة بهم.

بالإضافة إلى ذلك، يقوم المعلمون بدمج الممارسات المُلمّة بتأثير الإصابات والصدمات في عملهم. ففي حين أن جميع الأطفال قد تأثروا بفيروس كورونا، إلا أن التأثير الذي أحدثه الوباء على الملايين من الأطفال اللاجئين في سن الدراسة من جنسيات مختلفة، والمقيمين في 20 دولة داخل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كان مفجعاً بشكل خاص. ففي بيروت، أدى الانفجار في الميناء إلى تفاقم الوضع الذي كان صعباً في الأصل، ونشط رواد الأعمال الاجتماعيون في جميع أنحاء المدينة في العمل المُلم بتأثير الإصابات والصدمات لضمان بقاء الأطفال اللاجئين في المدرسة. ونرى بذلك أنه حتى عندما يبدو الأمر مستحيلاً، في المناطق الهشة التي تشهد صراعات والخارجة من الصراعات، هناك شباب مستعدون للتدخل واستلام زمام القيادة.

ولا يقتصر التحدي الذي يواجهنا على التعافي من الوباء والركود العالمي، بل يتعداه إلى التصدي لأوجه الإجحاف الخطيرة التي كشفا عنها. ولتحقيق ذلك، يجب أن نستثمر في الموارد البشرية قبل المشاريع - أي في أولئك الأشخاص الذين سيصمدون ويكافحون بصبر من أجل إحداث التغيير على أرض الواقع.  فحلّ المشكلات الاجتماعية التي تبدو مستعصية يتطلب القيادة والمرونة وبناء العلاقات والرؤية والأمل. وتحتاج منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى توفير الدعم لمزيد من القادة والمبتكرين المحليين المستعدين للجمع بين الإلحاح والإبداع اللازمين لتحقيق الابتكار وبين الصبر والعلاقات اللازمة لتحقيق النجاح.

وختاماً، أشعر بالفخر لكوني جزءاً من شبكة تساعد في دعم المنظمات والمجتمعات والأسر ورجال الأعمال المبتكرين الذين يبثّون الأمل ويحدثون التغيير اللازمين لبناء عالم أفضل وأكثر عدلاً - داخل هذه المنطقة وخارجها.