دليل البحث العلمي: من فكرة إلى إنجاز

في وقت سابق من هذا العام، أقامت منظمة علّم لأجل قطر معرضاً لمشاريع التخرج، حيث قدّم منتسبو السنة الثانية المشاريع التي عملوا عليها طوال عامهم الأخير في رحلة "مسار القادة". ضمّ المعرض 30 مشروعاً متنوعاً، صُممت لإحداث تأثير إيجابي ومستدام في مجال التعليم، وتناولت مواضيع مرتبطة بالطلاب، وبيئة التعلم، والتكنولوجيا، والقيم، وغيرها من المجالات التربوية. يعكس هذا الحدث التزام منظمة علّم لأجل قطر بتمكين منتسبيها من تحويل أفكارهم التربوية إلى مبادرات مؤثرة على أرض الواقع، تساهم في تطوير النظام التعليمي في قطر وتعزز من تأثيرهم كقادة. فيما يلي تأملات الفائزين بالمركز الأول عن مشروعهم - "دليل" للبحث العلمي.
حين التحقنا ببرنامج علِّم لأجل قطر، كان يقودنا إيماننا عميق بدور التعليم في بناء المستقبل، ورغبتنا في إحداث أثر يتجاوز حدود الصف ويترك بصمة راسخة في عقول وقلوب طلابنا. كنا نبحث عن فرصة نوظف فيها شغفنا بالعلم في خدمة مجتمعنا، ونُسهم من خلالها في إعداد جيل واعٍ قادر على قيادة التغيير.
خلال فترة الانتساب، جمعتنا الرغبة في تنمية مهارات البحث العلمي والتفكير النقدي لدى طلابنا. ومن خلال تجاربنا اليومية في المدارس وحواراتنا المستمرة، أدركنا أننا نتشارك الشغف نفسه، وأن العمل معًا يمكن أن يقودنا إلى مشروع يتجاوز حدود المبادرات الصفية. وبحكم تخصصاتنا العلمية وخبراتنا السابقة في الأبحاث العلمية والنشر، نما في داخلنا يقين بقدرتنا على تصميم أداة فعالة تخدم احتياجات البيئة التعليمية.
من هنا وُلدت فكرة مشروع دليل.
بدأت القصة من ملاحظة حاجة الطلاب لأداة عملية ومبسّطة باللغة العربية تساعدهم على خوض تجربة البحث العلمي بطريقة واضحة وممتعة. فالكثير من الطلاب كانوا يعتقدون أن البحث العلمي ممل، ومعقد، وبعيد عن واقعهم. كما افتقر العديد منهم إلى المهارات الأساسية للبحث العلمي، مثل صياغة الفرضيات، أو تقييم المصادر، أو عرض النتائج. برزت هذه التحديات بوضوح عندما تولينا مهام الإشراف على الأبحاث العلمية والمسابقات البحثية، حيث لم نجد أي دليل مبسّط يوجّه الطلاب أو يساعدنا كمعلمين في تدريب طلابنا. عندها بدأنا بتصميم أوراق عمل وأنشطة قصيرة، وقمنا بتطبيقها داخل الصفوف، وتطويرها إستنادًا إلى ملاحظات الطلاب، لتتحول تدريجيًا إلى مشروع متكامل يخدم المعلمين والطلاب في مختلف المدارس.
ولم تتوقف التجربة عند حدود الصفوف الدراسية، بل امتدت لتشمل ورش تدريبية قدّمناها لزملائنا من منتسبي برنامج "علِّم لأجل قطر"، ولمعلمين في مدارس متعددة، إضافةً إلى الطلاب المشاركين في المسابقات البحثية. وخلال العام الأكاديمي 2024-2025، ساعد دليل في تدريب أكثر من 62 معلمًا، وأسهم في تمكين ما يزيد عن 1000 طالب ليصبحوا قادرين على التفاعل مع البحوث العلمية وخوض المسابقات العلمية المختلفة بنجاح. لقد وسّعت هذه التجارب نطاق المشروع، وأكدت أنه ليس مجرد أداة صفية، بل مبادرة تحمل إمكانات واسعة للتأثير.
لقد كان لدعم منظمة علِّم لأجل قطر دور محوري في تحويل فكرتنا إلى واقع. فقد أتاح لنا البرنامج فرصة التدريب والخبرة العملية، وتمكنا بفضله من التواصل مع خبراء وشركاء ملهمين ساهموا بإضافات قيّمة عززت من جودة المشروع وأثره.
وقد تُوّج هذا الجهد بفوز دليل بالمركز الأول ضمن 30 مشروع تخرّج لدفعة عام 2023. كما أن مشاركتنا في شبكة علِّم لأجل الجميع أضفت بعدًا عالميًا على التجربة، إذ أتاحت لنا الاطلاع على تجارب منتسبين من دول مختلفة من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأكدت لنا أن دليل ليس أداةً محلية، بل مشروع يمكن أن يخدم المنطقة العربية بأكملها. وتحقق ذلك خلال استضافة مكالمة مع المنتسبين والخريجين في هذه المنطقة، حيث عرضنا مشروعنا وناقشنا معهم سبل دمجه في الصفوف الدراسية وتمكين الطلاب من الاستفادة منه.
انطلقت فكرة دليل من كتيب تفاعلي قمنا بإعداده بهدف مساعدة الطلاب والمعلمين على فهم خطوات البحث العلمي وتطبيقها داخل الصفوف الدراسية. ومع مرور الوقت، تحوّل هذا الكتيب إلى نقطة إنطلاق لسلسلة من الورش التدريبية الموجهة للمعلمين والطلاب، وأصبح مصدر إلهام لنا لإنشاء حساب تفاعلي على تطبيق "إنستغرام" يشارك المحتوى وينقل تجارب الطلاب أنفسهم، مما وسّع نطاق الأثر وأضفى عليه طابعًا حيًّا وتفاعليًا. واليوم، نطمح إلى تطوير دليل ليأخذ أشكالًا أوسع، تشمل إطلاق منصة رقمية متكاملة، وتصميم برامج تدريبية منهجية للمعلمين، وبناء شبكة طلابية عربية تجمع الباحثين الناشئين.
بدأت رحلتنا مع دليل من الصفوف الدراسية، من حاجة حقيقية وتجربة واقعية، لتتحوّل إلى حلم يتجاوز جدران الصف ويصل إلى آفاق أوسع. وهذا ما يجعلنا متحمسين لمستقبل دليل، مؤمنين بأنه لن يكون مجرد أداة، بل حركة تلهم جيلًا من الباحثين لصناعة مستقبل أفضل.