ضمان استمرارية التعليم في خضمّ الأزمة: سؤال وجواب مع الرئيسة التنفيذية لمؤسسة نعلّم لفلسطين، خلود سلامة

Publication date
Image
Two women in hijabs sit at a table while one woman traces a circle on a piece of paper
المعلمون والمعلمات خلال نشاط لتجاوز التحديات بشكل إبداعي بمؤسسة نعلّم لفلسطين

تزامنا مع اليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات، حاورت ريم مارتو، رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خلود سلامة، الرئيسة التنفيذية لمؤسسة نعلّم لفلسطين، حيث تطرّق النقاش إلى السُبل التي أثّرت من خلالها أزمة التعليم غير المسبوقة على كيفية دعم المؤسسة لمعلميها ومعلماتها وتأهيلهم/ن. في الضفة الغربية، حيث مقر عمل مؤسسة نعلّم لفلسطين، أدّت القيود المفروضة على الحركة، وأعمال العنف المتصاعد، والعمليات العسكرية إلى وفاة 67 طالبا وإصابة 367 آخرين خلال الأشهر الـ 10 الماضية. لقد ألهمنا صمود مؤسسة نعلّم لفلسطين  أمام هذه التحديات. ونعتبر الجهود التي تبذلها المؤسسة لضمان استمرارية التعليم بمثابة تذكِرة بأهمية  حماية حقوق الطلاب في التعليم.  

 

ريم مارتو (ر.م): كيف قمتم بالاستعداد لبرنامج التدريب الصيفي (برنامج تدريب قبل الخدمة مدته 4 أسابيع) على ضوء العنف المتصاعد في الضفة الغربية، والوضع الذي أطلقت عليه محكمة العدل الدولية خطرا معقولا للإبادة الجماعية في غزة؟   

 

خلود سلامة (خ. س): للتكيّف مع التحديات المستمرة الناجمة عن الظروف الأمنية المتدهورة، تبنّينا استراتيجية مرِنة وتكيّفية لتنفيذ أول برنامج تدريب صيفي. تأكدنا من وضع خطط للحالات الطارئة وبِتنا متأهّبين لعقد جلسات تدريب افتراضية بدلا من الجلسات الوجاهية إذا ما اضطررنا فجأة إلى ذلك. لقد تجاوزت المسؤولية التي اضطلعنا بها مجرد تسهيل تعلّم زملاء وزميلات البرنامج وتنفيذ أنشطة بناء القدرات - إذ شملت ضمان أمنهم وسلامتهم، وهي مسؤولية كبيرة سببت لنا التوتر طوال فترة انعقاد البرنامج. هذه التجربة جعلتني أُدرك مدى الضغط الذي يعاني منه هؤلاء الزملاء والزميلات عند العودة إلى مدارسهم، ليس فقط على صعيد دعم طلابهم في عملية التعلم، ولكن أيضا المحافظة على أرواحهم. من الصعب تصوّر جسامة مثل هذه المسؤولية في الظروف الحالية وكيف يُمكن أن تكون غامرة ومُربكة.    

خلال الأيام القليلة الأولى من برنامج التدريب الصيفي، واجهنا أحداثا أمنية أجبرتنا على تأجيل جلسات التدريب. إلا أن عدد من الزميلات كن قد انطلقن  بالفعل من طولكرم والخليل في وقت اتخاذنا لهذا القرار، حيث تعيّن عليهن  المرور عبر عدة نقاط تفتيش عسكرية، ولذلك غادرن  منازلهن  مبكرا في هذا اليوم. حرصنا على مراقبة الموقف عن كثب لحين التأكد من سلامتهن ، وبقينا على اتصال مستمر معهن  حتى قدومهن إلى رام الله، ومُجددا خلال رحلة العودة، لنتأكد  من وصولهن  لمنازلهم من دون مشكلة. لقد كان يوما عصيبا للغاية ونتيجة لذلك، قررنا أنه من الآن فصاعدا، سيتم تبادل جميع المراسلات المهمة في موعد أقصاه الساعة السادسة صباحا، لإتاحة وقتٍ كافٍ للجميع لتعديل برامجهم . كذلك أدركنا أن الوضع قد يسوء خلال عقد البرنامج التدريبي، بما يستوجب اتخاذ إجراءات فورية. وعليه، أجرينا ترتيبات تُمكننا من استضافة المتدربين والمتدربات إذا حال الوضع دون عودتهم إلى منازلهم. إضافة إلى ذلك، ولتوحيد عملية استقبال وإرسال المراسلات ومعالجة المخاوف المتعلقة بالأمن والسلامة دون إرباك، كلّفنا مديرة البرنامج بالاضطلاع بدور نقطة الاتصال الأمنية، لتكون مسؤولة عن مشاركة جميع القرارات والمعلومات المهمة مع المتدربين والمتدربات بحال تحتّم إلغاء أو تعديل موعد انعقاد جلسات التدريب.

نحن ملتزمون بضمان عدم تفويت المزيد من فرص التعليم على الأطفال في فلسطين، وعلى الرغم من أننا لا نعمل حاليا في غزة، إلا أننا حريصون على مساعدة الأطفال هناك بشتّى الطرق الممكنة، وخاصة أثناء ما يواجهونه من تحديات بالغة تُعيق وصولهم إلى حقوقهم الأساسية، بما فيها الحق في التعليم. وعليه، فقد أسسنا شراكة مع قسم الدراسات العليا بكلية التربية في جامعة هارفارد لتنظيم ثلاث ورش عمل رئيسية تهدف إلى مناقشة الاحتياجات التعليمية في غزة واستكشاف طرائق فعالة للاستجابة إلى التحديات. نُدرك حساسية الموقف، خاصة وأنه كلما طالت فترة حرمان الأطفال من الالتحاق بالمدرسة، كلما أصبح تحصيل ما فاتهم أكثر صعوبة، وتسبب في عواقب دائمة.          

ر.م: كيف تدعمون زملاء البرنامج في قيادة صفوفهم ودعم طلابهم في الحالات التي تُنذر بوجود تهديد بأعمال عنف؟ 

خ. س: في سبيل تعزيز مهارات الزملاء والزميلات في البرنامج وتزويدهم بالأدوات اللازمة للقيادة الفعالة في الحالات الطارئة، عقدنا جلسات يومية للدعم النفسي والاجتماعي طوال فترة إقامة التدريب الصيفي. تم تصميم هذه الجلسات ليس فقط لمساعدة زملاء وزميلات البرنامج على مواجهة الضغوط بشكل فعّال ، ولكن أيضا لتزويدهم بالأنشطة العملية التي من الممكن استخدامها داخل الغرفة الصفية بهدف دعم رفاه وسلامة طلابهم، وخلق مساحات دامجة وآمنة لهم لكي يُعبّروا عن مخاوفهم ومشاغلهم. تضمّنت هذه الأنشطة جلسات التأمل، واليقظة الذهنية، وتمرينات التنفس، وكذلك جلسات تُركز على الوعي الذاتي والعمل الجماعي، مثل تدريب "الجزيرة المنعزلة" الذي يُشجع المشاركين على لعب الأدوار والتفكير في كيفية التعاون معا لتجاوز المواقف الصعبة.   

   

وعلى ضوء تفاقم أعمال العنف المتواصلة في أنحاء فلسطين، قمنا بإعداد خطة أمن وسلامة صارمة للحالات الطارئة، تهدف إلى حماية موظفينا ومُعلمينا ومعلماتنا طيلة فترة انعقاد برنامج الزمالة. تتضمن هذه الخطة التأهّب لتحويل التعلم إلى صيغة مركبة أو افتراضية بالكامل إذا ما تدهور الموقف الأمني. كذلك نقدم برنامجا تدريبيا للقيادات المدرسية والمعلمين والمعلمات ، يرمي إلى بناء شبكة من القادة المحليين القادرين على تنسيق جهود السلامة والمبادرة باتخاذ إجراء جماعي في حالة وجود تهديدات. كما يحرص المشرف التربوي  لدينا على التواصل يوميا مع كل زميل وزميلة من أجل تقديم التوجيه والإرشاد المتواصل، ودعم الزملاء والزميلات بشكل مستمر مما يمنحهم الشعور بالثقة والترابط ، للتأكيد على  أنهم ليسوا بمفردهم في مواجهة هذه التحديات. لقد وضعنا هذه الخطط بالتعاون مع جميع مُعلمينا ومعلماتنا، حرصا منا على إيلاء أولوية لضمان أمنهم وسلامتهم قبل أي شيء.   

 

إضافة إلى ذلك، فقد أسسنا مجموعة عبر تطبيق واتس آب لتسهيل التواصل السلس بين أعضاء الفريق. إلى ذلك، فإن المناقشات الدورية تساعد زملاء وزميلات البرنامج وموظفي المؤسسة على تعريف التحديات والتغلب عليها بطريقة استباقية، بما يُعزز حسّ المسؤولية تجاه أنفسهم وبعضهم البعض. هذا النهج لا يدعم نموهم الشخصي فحسب، بل يُعزز قدرتنا كمجموعة على تحقيق غاياتنا.

 

نحن في مؤسسة نُعلّم لفلسطين، تتمحور مبادئنا التوجيهية حول "السلامة وعدم إلحاق الضرر"، ولذلك فهي تضمن عمل الجميع في ظل بيئة آمنة. نحن نؤمن بأن القيادة الفعالة تتمثل في تمكين مُعلمينا ومعلماتنا وموظفينا وزملاء وزميلات البرنامج من اتخاذ القرارات في الحالات الطارئة. علاوة على ذلك، فإن تقييم تلك القرارات يُعد أمرا حاسما، لأنه يُفيدنا بدروس قيّمة ويُعزز من استجابتنا كمجموعة للحالات الطارئة في المستقبل. هذا النهج لا يُسهم فقط في تعزيز قدرتنا على صُنع القرار، ولكنه يُرسخ أيضا التزامنا بالسلامة والتحسن المستمر.   

 

ر.م: بالنظر إلى الصراعات المندلعة حول العالم اليوم والتي لها آثار وخيمة على ملايين الأطفال والأُسر، هل لديكم أي نصائح أو مرئيات موجّهة للمؤسسات الشريكة في شبكتكم العالمية، فيما يتعلق بحماية التعليم من الهجمات؟  

خ.س: إن التشجيع على التحلّي بالتسامح والإنسانية والشمولية له دور محوري في حماية التعليم من الهجمات ودعم توفير بيئة تعلّم آمنة وداعمة. نحن نؤمن إيمانا راسخا بأنه إن لم نحرص على تنشئة الصغار على إيلاء أولوية للتسامح والشمولية، فلن نتمكن أبدا من تهدئة الصراعات وتسوية الخلافات. إذا استطعنا ترسيخ هذه القيم منذ البداية، فلن نضطر إلى الخوف من المستقبل. إضافة إلى ذلك، فإن مناصرة الالتزام بالقانون الدولي والحق في التعليم هو أمر ضروري لضمان إبقاء مساحات التعلّم آمنة وسليمة .    

 

من واقع خبرتنا، توجد بعض الاستراتيجيات الرئيسية البنّاءة، والتي في ظل الصراعات المتصاعدة، نوصي المنظمات التعليمية بإيلاء أولوية لما يلي:

 

1) الاستفادة من التكنولوجيا لضمان استمرارية التعليم: تبنّي الحلول التكنولوجية التي تُمكّن من استمرارية التعليم في وقت الأزمات، على سبيل المثال، الاستثمار في منصات التعلم الإلكتروني التي بالإمكان التعامل معها  سريعا لضمان استمرارية العملية التعليمية دون انقطاع. إضافة إلى ذلك، فإن تدريب التربويين على إتقان استخدام هذه التقنيات سوف يضمن سلاسة الانتقال إلى التعلم الإلكتروني عند الحاجة.

 

2) دعم المشاركة المجتمعية:  بناء علاقات قوية مع المجتمعات المحلية يُمكنه تعزيز حماية المؤسسات التعليمية بشكل فعال. كذلك تُسهم المتابعة المجتمعية في التحذير مُبكرا من التهديدات المحتملة، بما يسمح بالاستجابة بشكل أسرع.

 

3) تطبيق الدعم النفسي والاجتماعي:  يجب أن يتم دمج الدعم النفسي والاجتماعي المنتظم بالمنهاج المدرسي لمساعدة الطلاب والعاملين والعاملات على التعامل مع الضغوط الناجمة عن أية صراعات . كما قد يكون تدريب المعلمين والمعلمات على تدابير الإسعافات الأولية النفسية والاجتماعية بادرة مفيدة للغاية، بما يُمكّنهم من تقديم الدعم الفوري للطلاب الذين يحتاجون إليه.

 

4) تعزيز الشبكات والشراكات: التعاون مع المنظمات الأخرى يُمكنه تعزيز التعلم ومشاركة أفضل للموارد وتعزيز الممارسات المتعلقة بالسلامة التعليمية. من الممكن أن توفر الشبكات الدعم وتُعزز من المساعي المبذولة على صعيد المناصرة، وحشد الموارد، وتطبيق الحلول التعليمية المبتكرة في وقت الأزمات.

 

5) التهيؤ والمرونة : التأكد من أن جميع البرامج التعليمية مصممة على نحو يراعي المرونة، ما يسمح بالتكيف سريعا مع الظروف المتغيرة. يشمل ذلك إعداد خطط احتياطية تتيح تبنّي سيناريوهات التعلم الوجاهي والافتراضي على حد سواء.

 

  مع عودة الطلاب إلى المدرسة، عادة ما يسود الأجواء ضحكات وابتسامات. ولكن مع الأسف، فإن هذا الأمر لا ينطبق على الوضع في فلسطين، إذ أن العودة إلى المدرسة تُثير الخوف والحزن، ما يدفع الكثيرين إلى التساؤل: "لماذا يستمر هذا الوضع وإلى متى؟" مع استمرار تدهور الأوضاع، هذه هي الاستراتيجيات التي سوف نواصل الاستعانة بها والبناء عليها من أجل ضمان حياة طبيعية قدر المستطاع لمُعلمينا ومعلماتنا وطلابهم في خضمّ هذه الأوضاع غير الطبيعية. على أمل أن تنتهي كل هذه المعاناة في القريب العاجل.